هل بات الإنتاج الدرامي في مصر تحت سيطرة الدولة؟ |
كانت الدراما المصرية في رمضان صناعة قوية وسوقاً مزدهرة لأعمال مميزة يقدمها نجوم الصف الأول على شاشات التلفزيون لتلقى أعلى نسب مشاهدة طوال الشهر الكريم.
لكن للعام الثاني على التوالي، أثيرت تساؤلات كثيرة حول الانخفاض الملحوظ في عدد الأعمال الدرامية المنتجة لأكثر من النصف، واحتكار جهة إنتاج واحدة تابعة لـ"مجموعة إعلام المصريين" التي تسيطر على أغلب المنصات الإعلامية في مصر.
ويؤكد المؤيدون لقرارات تقليص الإنتاج الدرامي أن الخطوات التي اتخذت تحد من سطوة "النجوم الكبار" وارتفاع أجورهم المبالغ بها، إضافة إلى تقنين الإنتاج الدرامي بما يضمن عدم خسارة القنوات العارضة.
لكن المعارضين يحذرون من "احتكار" إعلام المصريين" ممثلة في شركة "سينرجي" للإنتاج الدرامي، وتحدث بعضهم عن "أسباب غير معلنة" لتوقفهم عن العمل.
كما أثيرت تساؤلات حول رقابة أجهزة الدولة على مضمون الأعمال الدرامية بدعوى عدم السماح بـ "مخالفة المعايير الأخلاقية" أو "الأمنية".
مـن يـقـف وراء "سـيـنـرجـى"؟
كالعادة، ينطلق سباق الدراما الرمضانية على قدمٍ وساق قبل شهور عديدة من بداية شهر الصيام، ويترقب المشاهدون أخبار الأعمال الدرامية الغزيرة والنجوم الذين سيلعبون دور البطولة فيها. لكن هذا العام، انخفض عدد الأعمال الدرامية إلى 24 عملاً فقط، 15 منها من إنتاج سينرجي، بينما كان يبلغ عددها 40 عملاً سنوياً سابقاً.
وسينرجي واحدة من عدة شركات تعمل في مجال الإعلام في مصر وتخضع لسيطرة مجموعة "إعلام المصريين" التي تمتلك أغلب شبكات القنوات الفضائية المصرية مثل سي بي سي والحياة وأون إي إضافة إلى مواقع إلكترونية وصحف ومحطات إذاعية.
وتتبع مجموعة "إعلام المصريين" لشركة إيغل كابيتال للاستثمارات المالية، وهي شركة مساهمة مصرية تأسست عام 2016. وتشير تقارير صحفية محلية إلى أنها تتبع جهة حكومية سيادية.
ونقل موقع مصراوي عن رئيس مجلس إدارة "إعلام المصريين" ومؤسس شركة سينرجي، تامر مرسي، قوله "إنه بدأ العمل الآن على إعادة هيكلة القنوات الفضائية في المجموعة من أجل النهوض بالرسالة الإعلامية ورسم مستقبل أفضل في ظل ما طالب به رئيس الجمهورية من حتمية قيام الإعلام بدوره المطلوب في تنمية الدولة".
وكان الرئيس، عبد الفتاح السيسي، قد أثنى في أحد مؤتمرات الشباب على تدخل الدولة في الأعمال الدرامية في الماضي إذ قدمت "عناصر بناء إيجابي" ولم تسع إلى المكسب فقط.
غياب "التنافسية الحقيقية"
في خطوة غير مسبوقة في صناعة الدراما في مصر، قررت سينرجي عدم عرض المسلسلات التي أنتجتها لهذا الموسم الرمضاني عبر "يوتيوب"، ولكن عبر تطبيق جديد هو "Watch It"، وبدأت الترويج له عبر شاشات القنوات التي تمتلكها إعلام المصريين.
والتطبيق غير مجاني ومتاح في المتجر الخاص بالأجهزة التي تعمل بنظامي Android و Apple، وفقاً لموقع مصراوي، لتحرم بذلك ملايين المشاهدين الذين اعتادوا متابعة ما قد يفوتهم من مسلسلات عبر "يوتيوب".
وحذرت الناقدة الفنية، ماجدة موريس ،في حوار مع جريدة المال من أن "احتكار شركة إنتاج واحدة للمشهد الدرامي يؤثر سلبًا بالطبع على صناعة الدراما في المستقبل، لأنه بعدم وجود تنافسية حقيقية لن يتواجد سوى نجوم معينين كل عام، ومن ثم ستتأثر الصناعة بشكل كبير في الفترة المقبلة".
وكانت الفنانة غادة عبد الرازق قد كتبت منشوراً على موقع انستغرام في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي أشارت فيه إلى ما وصفته بـ "حرب" تشنها "مجموعة إعلام المصريين" لمنعها هي وفنانين آخرين من العمل، وأضافت أن المجموعة تدعي أنها تتحدث باسم "الجيش أو المخابرات". وأزالت عبد الرازق المنشور بعد ساعات.
هل تتحكم الرقابة بمحتوى الأعمال الدرامية ؟
"أسباب غير معلنة"
وأثار غياب شركات الإنتاج المعروفة مثل العدل جروب وبي لينك عن خريطة الدراما الرمضانية للعام الثاني مزيداً من التساؤلات حول مصير صناعة الدراما في مصر في الفترة المقبلة.
فقد توقف إنتاج أربعة أعمال كبيرة على الأقل من بينها أعمال لفنانين كبار مثل يسرا وعادل إمام اللذان غابا عن الشاشة لأول مرة منذ سنوات.
وقال موقع التحرير أن المنتج السوري، محمد مشيش، صاحب شركة بي لينك الشهيرة قرر "الإبتعاد عن الدراما المصرية وتجميد نشاطه هنا، والعودة إلى لبنان والاستقرار هناك"، وأوقف العمل في مشروع مسلسل للنجمة هند صبري "لأسباب غير معلنة".
وفي منشور عبر صفحتها على الفيسبوك، حذرت المخرجة، كاملة أبو ذكري، من أن تقليص الإنتاج سيؤثر على دخل أكثر من مليوني شخص يعملون في صناعة الدراما والمسلسلات وتساءلت: "حد يفهمنا ليه حتقطعوا رزق ٢ مليون مواطن بيشتغلوا ويدفعوا ضرائب وعايشين من المهنه دي"!
مخالفة "المعايير الأخلاقية"
في تطور آخر، حذر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر كافة وسائل الإعلام وشركات الإنتاج من "مخالفة المعايير الأخلاقية" التي وضعها المجلس فيما يخص دراما وإعلانات شهر رمضان.
وفي تصريحات لموقع مصراوي قال وكيل المجلس الأعلى للإعلام، عبد الفتاح الجبالي، إن المجلس "وضع ضوابط محددة تتماشى مع القيم المصرية للإلتزام بها في شهر رمضان" من بينها منع بث أي محتوى يدعو إلى العنف أو التمييز بين المواطنين.
وأضاف الجبالي أن المجلس "سيخاطب الوسائل الإعلامية، وليس شركات الإنتاج حال بث أي مضمون يخالف الآداب العامة"، وقد تصل عقوبة المخالفين إلى "دفع 250 ألف جنيه غرامة لـلفظ الخارج مع حذف المشاهد المسيئة".
وتحدث المنتج الفني، صبري السماك لموقع المنصة، عن "الهيمنة الأمنية"، مشيراً إلى ما تتعرض له اﻷعمال الفنية من رقابة من قبل الدولة، "السيناريو بيروح الرقابة ومنها لإيد وزارة الداخلية، وممكن يتمنع إصدار تصريح بالموافقة عليه، فاللي بيتحكم هو اﻷمن".